فصل: تفسير المفردات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هذا هو التأويل الثاني في معنى الآية. يدل عليه ما سبق من الآيات، ويرشد إلى سياق القصص السابق في قوله: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [42] إلخ. وأنت ترى أن قصة الغرانيق لا تتفق مع هذا المعنى الصحيح.
وهناك تأويل ثالث ذكره صاحب الإبريز وإني أنقله بحروفه وما هو بالبعيد عن هذا بكثير قال: ذكر أمانيّ الأنبياء في أممهم، وطمعهم في إيمانهم، وشأن نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك، على نحو يقرب مما ذكرناه في الوجه الثاني:
ثم إن الأمة تختلف كما قال تعالى: {وَلَكِن اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} [البقرة: 253]، فأما من كفر فقد ألقى إليه الشيطان الوساوس القادحة له في الرسالة، الموجبة لكفره. وكذا المؤمن أيضًا لا يخلو أيضًا من وساوس، لأنها لازمة للإيمان بالغيب في الغالب، وإن كانت تختلف في الناس بالقلة والكثرة، وبحسب المتعلقات إذا تقرر هذا فمعنى تمنى: أنه يتمنى لهم الإيمان ويحب لهم الخير والرشد والصلاح والنجاح، فهذه أمنية كل رسول ونبيّ. وإلقاء الشيطان فيها، يكون بما يلقيه في قلوب أمة الدعوة من الوساوس الموجبة لكفر بعضهم، ويرحم الله المؤمنين فينسخ ذلك من قلوبهم، ويحكم فيها الآيات الدالة على الوحدانية والرسالة، ويبقي ذلك عز وجل في قلوب المنافقين والكافرين ليفتتنوا به. فخرج من هذا أن الوساوس تلقى أولًا في قلوب الفريقين معًا، غير أنها لا تدوم على المؤمنين وتدوم على الكافرين. انتهى.
وأنت إذا نظرت بين هذا التفسير وبين ما سبقه، تتبين الأحق بالترجيح. ولو صح ما قاله نقلة قصة الغرانيق لارتفعت الثقة بالوحي وانتقض الاعتماد عليه، كما قاله القاضي البيضاويّ وغيره. ولكان الكلام في الناسخ كالكلام في المنسوخ. يجوز أن يلقي فيه الشيطان ما يشاء، ولا نهدم أعظم ركن للشرائع الإلهية وهو العصمة. وما يقال في المخرج عن ذلك، ينفر منه الذوق ولا ينظر إليه العقل على أن وصف العرب لآلهتهم بأنها الغرانيق العلى لم يرد لا في نظمهم ولا في خطبهم. ولم ينقل عن أحد أن ذلك الوصف كان جاريا على ألسنتهم. إلا ما جاء في معجم ياقوت غير مسند ولا معروف بطريق صحيح. وهذا يدل على أن القصة من اختراع الزنادقة، كما قال ابن إسحاق. وربما كانت منشأ ما أورده ياقوت. ولا يخفى أن الغرنوق والغرنيق لم يعرف في اللغة إلا اسمًا لطائر مائي أسود أو أبيض. أو هو اسم الكركيّ أو طائر يشبهه والغرنيق بالضم وكزنبور وقنديل وسَمَوْأَل وفردوس وقرطاس وعُلاَبط معناه: الشاب الأبيض الجميل. وتسمى الخصلة من الشعر المفتلة: الغرنوق، كما يسمى به ضرب من الشجر. ويطلق الغرنوق والغرانيق على ما يكون في أصل العوسج اللين النبات. ويقال: لمة غرانقة وغرانقية: أي: ناعمة تفيئها الريح. أو الغرنوق الناعم المستتر من النبات إلخ. ولا شيء في هذه المعاني يلائم الآلهة والأصنام، حتى يطلق عليها في فصيح القول الذي يعرض على ملوك البلاغة وأمراء الكلام. فلا أظنك تعتقد إلا أنها من مفتريات الأعاجم ومختلفات الملبسين، ممن لا يميز بين حر الكلام، وما استعبد منه لضعفاء الأحلام. فراج ذلك على من يذهله الولوع بالرواية، عما تقتضيه الدراية: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عِمْرَان: 8]. انتهى كلام الأستاذ رحمه الله.
وممن جزم بوضع هذه القصة جزمًا باتًا، الإمام ابن حزم رحمه الله، حيث قال في كتابه الملل في الرد على من لم يوجب العصمة على الأنبياء ما مثاله: استدلوا بالحديث الكاذب الذي لم يصح قط في قراءته عليه السلام في: {وَالنَّجْمِ إِذَا هوى} وذكروا تلك الزيادة المفتراة التي تشبه مَنْ وَضَعَهَا من قولهم: وإنها لهي الغرانيق العلى وإن شفاعتها لترتجى، ثم قال بعد: وأما الحديث الذي فيه الغرانيق فكذب بحت موضوع. لأنه لم يصح قط من طريق النقل، ولا معنى للاشتغال به، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد. وأما قوله تعالى: {وما أرسلنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أمنيته} الآية، فلا حجة لهم فيها. لأن الأمانيّ الواقعة في النفس لا معنى لها. وقد تمنى النبيّ صلى الله عليه وسلم إسلام عمه أبي طالب، ولم يرد الله عز وجل كون ذلك. فهذه الأمانيّ التي ذكرها الله عز وجل لا سواها، وحاشا لله أن يتمنى نبيّ معصية. وبالله تعالى التوفيق.
وهذا الذي قلنا هو ظاهر الآية دون مزيد تكلف، ولا يحل خلاف الظاهر إلا بظاهر آخر وبالله تعالى التوفيق. انتهى، وقوله تعالى: القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} أي: في شك وجدال من التنزيل الكريم، لما طبع على قلوبهم: {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ} أي: القيامة: {بَغْتَةً} أي: فجأة: {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} أي: يوم لا يوم بعده. كأن كل يوم يلد ما بعده من الأيام، فما لا يوم بعده يكون عقيمًا. والمراد به الساعة أيضًا. كأنه قيل: أو يأتيهم عذابها، فوضع ذلك موضع ضميرها لمزيد التهويل. أفاده أبو السعود. أي: لأنه بمعنى: شديد لا مثل له في شدته. وتقدم فيما نقلنا وجه آخر وهو أن المعنى: لا يزال الذين كفروا في ريب من الحق أو الكتاب، لا تستقر عقولهم عليه حتى تأتي ساعة هلاكهم بغتة، فيلاقون حسابهم عند ربهم. أو إن امتد بهم الزمن، ومادّهم الأجل، فسيصيبهم عذاب يوم عقيم. يوم حرب يسامون فيه سوء عذاب القتل أو الأسر. فلا ينتج لهم من ذلك اليوم خير ولا بركة. بل يسلبون ما كان لديهم، ويساقون إلى مصارع الهلكة، وهذا هو العقم في أتم معانيه وأشأم درجاته. انتهى. اهـ.

.قال المراغي:

{وما أرسلنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أمنيته}.

.تفسير المفردات:

الرسول: من جاء بشرع جديد، والنبي يشمل هذا ويشمل من جاء لتقرير شرع سابق كأنبياء بنى إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهما السلام، والتمني والأمنية: القراءة كما قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ} أي إلا قراءة، وقال حسان في عثمان حين قتل:
تمنى كتاب اللّه أول ليلة ** وآخرها لاقى حمام المقادر

وينسخ: أي يزيل ويبطل، يحكم: أي يجعلها محكمة مثبتة لا تقبل الرد بحال، فتنة: أي ابتلاء واختبارا، مرض: أي شك ونفاق، القاسية قلوبهم: هم الكفار المجاهرون بالكفر، شقاق بعيد: أي عداوة شديدة، فتخبت: أي تذل وتخضع، مرية: أي شك، بغتة: أي فجأة، الساعة: الموت، يوم عقيم: أي منفرد عن سائر الأيام لا مثيل له في شدته والمراد به الحرب الضروس، الملك: أي التصرف والسلطان، يحكم بينهم: أي يقضى بين فريقى الكافرين والمؤمنين، مهين: أي مذل جزاء استكبارهم عن الحق.

.المعنى الجملي:

بعد أن ذكر في الآيات السالفة أن قومه قد كذّبوه بوسائل شتى من التكذيب، فقالوا تارة إنه ساحر، وأخرى إنه شاعر، وثالثة إن القرآن أساطير الأولين، ثم سلاه على هذا بأنه ليس بدعا من الرسل، فكثير قبله قد كذّبوا، ثم ذكر أن لعظيم استهزائهم به، وتهكمهم بما يبلّغهم عن ربه- طلبوا منه استعجال العذاب الذي يعدهم به- أردف ذلك بذكر نوع آخر من التكذيب وهو إلقاؤهم الشبه والأوهام فيما يقرؤه على أوليائه من القرآن، ليجادلوه بالباطل ويردّوا ما جاء به من الحق ويكون في ذلك فتنة لضعاف الإيمان وللكافرين، وليزداد المؤمنون إيمانا ويقينا بأنه الحق من ربهم فتخبت له قلوبهم، وإن هذه حالهم حتى يموتوا أو يأتيهم عذاب لا يبلغ الوصف كنه حقيقته، وعندئذ يحكم اللّه بين عباده فيدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويجازى الذين كذبوا بآياته وكانوا في مرية من رسالة رسوله بالعذاب المهين جزاء وفاقا على تدسية أنفسهم وتدنيسها بزائغ العقائد وسيىء الأعمال وباطلها.

.الإيضاح:

{وما أرسلنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أمنيته} أي وما أرسلنا قبلك رسولا ولا نبيا إلا إذا قرأ، ألقى الشيطان على سامعيه وهو يتلو الوحى الذي أنزل إليه- شبهات فيما يقرأ، فيقول قوم إنه سحر، ويقول آخرون إنه نقله الرسول عن بعض الأولين، وهكذا من الأباطيل والترّهات التي يتقوّلونها.
{فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ} أي فيزيل سبحانه تلك الخرافات التي علقت ببعض النفوس، بأن يقيّض للدين من يدافع عنه ويدفع الشبهات، ثم يجعل آياته محكمة مثبتة لا تقبل الرد بحال.
وخلاصة ذلك- إن اللّه حين أنزل القران وقرأه الرسول صلى الله عليه وسلم قال المشركون فيه ما قالوا، ثم لما استبان الحق وجاءت غزوة بدر ونصر اللّه المسلمين الذين بشرهم كتابه بالنصر على أعدائهم: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} استتب لهم الأمر ودخل أعداؤهم في دينهم أفواجا {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا}. وما مثل هذا إلا مثل النباتات الطّفيلية التي تنبت في الأرض بجانب ما يزرع فيها من حنطة وفول وغيرهما مما يحتاج إليه الناس، ولا تزال تتغذى من الأرض وتأخذ غذاء النبات النافع، فلا يهدأ للزارع بال حتى يزيلها ويوفّ غذاءها للنبات الذي هو في أشد الحاجة إليه.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فإنك الآن لترى أهل أوربا يرسلون الجيوش من القساوسة التي تفتح المدارس في بلاد الشرق ويقولون للمسلمين: إن دينهم محشو بالخرافات والأكاذيب ويشككون فيه من تعلموا في تلك المدارس، ويصدق بعض غوغائهم تلك الأباطيل، حتى لقد قالوا إن هذا الدين لا يعيش في ظل العلم، ولا يقبل الأفكار والآراء الراقية، وهو والعلم عدوان لا يجتمعان، ومما جعل لهم بعض المعذرة فيما يقولون، حال المسلمين من الخمول وسوء الأحوال، وقبيح المعتقدات والأعمال مما جعلهم مضغة في أفواه الأمم المتمدينة: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ}.
وإن اللّه لينسخ تلك الوساوس، ويزيل هذه الأوهام، فقد تصدى كثير من ذوى المعرفة لدحض تلك المفتريات، فقام العالم الحكيم محمد عبده، وألف كتابه الإسلام والنصرانية ودفع كثيرا من مطاعن أولئك المبشرين، وقام بعده كثير من أهل الفقه بالدين، فاحتذوا حذوه، وواصلوا الليل بالنهار في دحض تلك الشبه، وإن اللّه ناصر دينه ولو كره الكافرون.
هذا وقد دسّ بعض الزنادقة في تفسير هذه الآية أحاديث مكذوبة لم ترد في كتاب من كتب السنة الصحيحة، وأصول الدين تكذّبها، والعقل السليم يرشد إلى بطلانها، وأنها ليست من الحق في شيء، وهي مما تشكّك المسلمين في دينهم، وتجعلهم في حيرة من أمر الوحى وكلام الرسول، فيجب على العلماء طرحها وراءهم ظهريّا، ولا يضيعون الزمن في تأويلها وتخريجها، ولاسيما بعد أن نص الثقات من المحدّثين على وضعها وكذبها، لمصادمتها لأصول الدين التي لا تقبل شكا ولا امتراء.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي واللّه عليم بكل شيء، ومن ذلك ما يصدر عن الشيطان وأوليائه، فيجازيهم عليه أشد الجزاء، حكيم في أفعاله، ومن ذلك أن يمكّن الشيطان من إلقاء الشبهات، ليحاجّ أولياؤه بها، فيتمكن المؤمنون من ردها ودحض المفتريات التي يتشدقون بها، ويرجع الحق إلى نصابه، فتظهر الحقيقة ناصعة بيضاء من بين تلك الظلمات، فتمحو الظلام الذي كان عالقا بنفوس الذين في قلوبهم مرض، وتضىء آفاق العقول السليمة، وتهديهم إلى طريق الرشاد وإلى الفريقين أشار بقوله:
(1) {لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} أي ليجعل ما يلقيه الشيطان على قلوب أوليائه فتنة واختبارا للمنافقين الذين في قلوبهم مرض، وللكافرين الذين قست قلوبهم، فلا تلين لقبول الحق، ولا ترعوى عما هي فيه من الغىّ.
ثم بين مجانفة هذين الفريقين للحق وبعدهما عن الرشد لا إلى غاية فقال: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ} أي وإن هذين الصّنفين من الضلّال لفى عداوة لأمر اللّه، وبعد عن الرشاد والسداد، بما لا مطمع لهما معه في النجاة والفوز برضا اللّه.
(2) {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} أي ولكى يعلم أهل العلم باللّه أن الذي أنزله اللّه من آياته التي أحكمها ونسخ ما ألقى الشيطان- أنه الحق من ربهم، فيصدقوا به وتخضع له قلوبهم وتذعن للإقرار به نفوسهم، وتعمل بما فيه من عبادات وآداب وأحكام وهي مثلجة الصدر هادئة مطمئنة ببرد اليقين، والسير على نهج سيد المرسلين.
ثم بين حسن مآلهم وفوزهم بسعادة العقبى فقال: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي وإن اللّه لمرشد الذين آمنوا به وصدّقوا برسوله، وموفّقهم إلى الحق الواضح، بنسخ ما ألقى الشيطان في أمنية رسوله حين تلاوة الوحى، وحفظ أصول الدين الصحيحة في نفوسهم، والعمل بها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وخلاصة ذلك- إن اللّه ليهدى الذين آمنوا إلى تأويل ما تشابه من الدين، وتفصيل ما أجمل منه، بما تقتضيه الأصول المحكمة. فلا تلحقهم حيرة، ولا تعتريهم شبهة، ولا تزلزل أقدامهم ترّهات المبطلين.
ثم أردفه بيان مآل الفريق الأول فقال: {وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} أي ولا يزال الكافرون في شك مما ألقى الشيطان في قلوبهم حين قراءة القرآن عليهم حتى يأتيهم الموت فجأة وهم في بيوتهم آمنون، أو يشتبكوا مع المؤمنين في قتال يهلك فيه أبطالهم وصناديدهم كما حدث يوم بدر.
وقد جعل هذا اليوم عقيما، لأن المقاتلين يسمّون أبناء الحرب، فإذا هم قتلوا وصف هذا اليوم بأنه عقيم.
وخلاصة هذا- إنه لا مطمح في إيمانهم، ولا لزوال المرية من قلوبهم، فهم لا يزالون كذلك حتى يهلكوا. اهـ.